الأحد، 25 أكتوبر 2015

في المقهى الصغير

كان الجو مناسبا تماما لاحتساء شراب دافئ في المقهى المفضل لديها. دخلت في هدوءها المعتاد مبتسمة و جلست أمام الزجاج حيث ترى المارة في الشارع و تسمع الموسيقى مختلطة بهمهمات من يجلسون حولها داخل المقهى. كان وجودها في هذا المكان من أثقل و أجمل ما تشعر به  فعلى قدر الذكريات في كل زاوية على قدرتعلقها بتفاصيله. 
في البداية كانت تهاب أن تلتقي بمن لا ترغب به و لكنها تغلبت على نفسها و استطاعت أن تخلق حيزا لا يخترقه أحد. طالما تساءلت لماذا أصبح الأمر بهذا الثقل و لماذا فقدت تلك الحماسة و هي التي لا تخطو خطوة واحدة بغير حماسة و إلا عادت أدراجها مسرعة. كان هذا ما شغلها لبضعة شهور حاولت فيهم أن تستوضح أسئلة لم تكن يوما وجودية عميقة تحتاج إلى علماء إجتماع مخضرمين  لإجابتها بل على العكس كانت دائما بسيطة حد استهانة الآخرين بها.
كان سؤالها الأول و ليس الأخير برغم أنتهاء كل شيء عنده، هل فقدت الحلم أم هو من فقدها؟. لامت نفسها كثيرا فقناعتها التي آمنت بها طويلا أن أحدا ليس له أن يثنيها عن حلمها. فهل هي من سمحت لهم بذلك أم هم من لم يعطوها حقها في هذا الحلم من الأساس؟. و كيف لهم أن يتحكموا في ما تملكه هي؟ و هنا صفعها سؤالا آخر و هل أمتلكته أصلا يوما؟
كان ذلك ما أنتهت له منذ فترة، أنها لم تمتلكه أو بمعنى أدق لم تمتلك أدواته طال الوقت أو قصر. كان لها في كل لحظة تلك الحدود التي وضعوها لها ثم أوهموما أنها تملك نفس ما يملكون و هو ما لم يحدث يوما. هل هي أنانية؟ أم غرور؟ هل هو سوء تقدير؟. أحبت طويلا أن تطلق عليه سوء تقدير رغم يقينها أنه لم يكن يوما كذلك و لكنه بعض من ألتماس العذر لعل المساحات الباقية بينهم تظل على وضعها و إن بقت غير حقيقية تماما. فهي مساحات يشوبها الكثير من عدم الوضوح و هو ما لم تتحمله يوما و ما يجعلها تركض مسرعة في أي أتجاه آخر بدلا من أن تقطعها لتقترب منهم أكثر.
الغريب أنها برغم كل هذا لم تفقد إيمانها بالحلم نفسه فأصبح أمرا متضاربا فهي لم تعد تفهم ماذا يعني لها فأثرت بعدا حذر. و يومها عرفت أنه سواء كانت الإجابة أنها من فقدت الحلم أو هو من فقدها ، فطالما أختارت الحذر فهو لم يعد لها فالحذر بطبيعته لا يحقق الأحلام. 
و يوم أن قررت العودة إلى مكان البداية ، ذلك المقهى الصغير أدركت جيدا أنها ستظل تحمل بين طيات نفسها أطياف لماض غير بعيد لن يعرف أحد ممن شاركها فيه قدره لديها و لا ما عمله في نفسها منذ كانت جزءا منه حتى أصبح هو جزءا منها.

عن جدو ... إلى نسمة

قليل من الرجال يهدي امرأته بيتا .. يغريها به البيت ليس منزلا نحل به أو عليه .. ليس شقة، جزءا نقتطعه من المدينة ونضع له بابا.. البيت ليل .. ...